بين الصّورة المرجعيّة للّبؤة، والصورة الواقعية التي رسمها السارد للبوته الإنسانية تكاد الفوارق تمّحي، فكلاهما أمّ إلى أقصى درجات الأمومة وكلاهما حريصة على قوت أشبالها كلّفها ذلك ماكلّفها، وكلاهما قويّة مقدامة لا تتراجع إلى الخلف إذا عزمت.
منذ سنين سنواتها الأولى كانت "زبيدة" على وعي بالحيف الذي تعيشه من ذكور العائلة وكأنّ الشّقاء قدر المرأة فقط، تقول الصبيّة زبيدة وهي ترى معاناة والدتها في تربيتها وإخوتها:
-ياخي الهادي ومحمّد ومحمّد علي عمومتي؟ ولاّ نايا غالطة؟
-لا واقيلا إخوة ابيّك؟ يعطيك نقطة. آش حاجتك بيهم؟
-حبّيت نعرف آش بيهم هوما عندهم الرّزق وبابا لا؟ ياخي مَقْرود؟
-هاكي قلتيها! شي ينطّق لحجر.
على وعي الحرمان وضرورة الكدّ لسدّ الكفاف فتحت "اللبوة" عينيها لتكون في انسجام مع اللبؤة في العالم الخارجي بل لتمنح لبوة العالم الخارجي مزيدا من الخصال أهمّها الصّبر والقدرة على تخطّي الصّعاب والسّعي وراء الحلم بثبات، حلم قد يتأجّل لكنه لا يسقط بفعل التقادم.
سعدية بن سالم